سورة البقرة - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


بعد أن استعرض الله تعالى طوائف الناس الثلاث: المؤمنين المتقين، والكافرين، والمنافقين وجّه دعوة للناس جميعاً إلى عبادته والايمان بالكتاب الذي أنزله على عبده محمد صلى الله عليه وسلم، وخاطبهم ب {يا أيها الناس}، فصوفهم بهذه الإنسانية التي هي عنوا على العقل والنظر والتدبُّر.
يا أيها الناس اعبُدوا ربَّكم. الذي أنشأكم وخلقكم كما خلق الأقوام الذين سبقوكم. إنه خالق هذا الكون وكل شيء فيه. اعبُدوه لعلكم تُعدون أنفسكم وتهيئونها لأن تتطهر بفضل عبادتها له فيسهُل عليها أن تذعن للحق.
وبعد أن أرشدهم الرحمن إلى دلائل التوحيد وحثهم على عبادة الخالق العظيم أشار لهم إلى دلائل وحدانيته من آيات قدرته المحيطة بهم في أرضه وسمائه، وبصّرهم بما أنعم عليهم فيها من وسائل الحياة، وموارد الرزق فقال: {الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض فِرَاشاً} مهّده بقدرته وبسَط رقعته بحكمته كما يسهُل عليكم العيش فهيا والانتفاع بها. والبسط والتمهيد هنا لا يعني كروية في الشكل ولا عدمها، وانما يعني تذليل الأرض لنفع الانسان. لكنّ الله بسط لنا في الأرض السهول، وجعل لنا فيه الجبال الشاهقة والبحار العميقة، والأنهار الجارية والأودية السحيقة: كل ذلك جعله لنا، نتمتع بكافة خيراتها العديدة الأصناف. اما فوقنا فقد جعل السماء وأجرامها وكواكبها المتراصة في نظرنا كالنبيان المشيد. ومن هذه السماء أمدّنا جلّ وعلا بسب بالحياة والنعمة. ألا وهو الماء، أنزله علينا يغيثنا به فجعله سبباً لأخراج النبات والشجر المثمر. لذا فإن من عمى البصيرة والبصر أيها الناس ان جعلوا لله أندادا. وفلا تفعلوه. إذ من الغيّ وحده أن تنصروا ان لله نظراء، ثم تأخذون تعبدونهم كعبادته. انه خالقكم، ليس له مثيل ولا شريك، وأنتم بفطرتكم الأصيلة تعلمون انه لا مثيل له ولا شريك، فلا تحرّفوا هذه الطبيعة. نعم ان كثيراً من مشركي العرب كانوا يعتقدون بالإلَه لكنهم يتذرعون بقولهن: انما نعبد هذه الأصنام لتُقِّربنا إلى الله.. فهل الله حاجة إلى وثن يتخذه واسطة بينه وبين عبادهن!!
وفي هذه الآية جزء من دلائل الإعجاز في القرآن الكريم:، وهو قوله تعالى: {السماء بِنَآءً}، ففي ذلك معنى ما كان يمكن أن يعرفه النبي الأميّ غلا بوحي من الله. فالسماء في المعنى العلمي هي كل ما يحيط بالارض في أي اتجاه، والى أي مدى، وعلى أية صورة، ويشمل ذلك الجوّ المحيط بالارض إلى ارتفاعات تنتهي حيث يبدأ الفراغ الكوني الشاسع بما فيه من الأجرام السماوية المنتشرة في اعماقه السحيقة على اختلاف أشكالها وأحجامها. وهي تتحرك في نظام بديع عجيب، على أساسه يتوالى ظهورها واختفاؤها لسكان الأرض. وهي جميعاً في دورانها وترابطها بقوى الجاذبية، كالبنيان في تماسكه واتزانه، وتدّرجه طبقة بعد طبقة.
وكل هذا لم يكن معروفاً للعلم في عصر محمد. صلى الله عليه وسلم.
وفي الجزء الأدنى من السماء، وهو الحد المحيط بالأرض القريبُ منها مباشرة توجد الطبقات الجوية المختلفة الواقية من الإشعاعات الضارة عن أرجاء الكون، والتي لا تسمع الا للأشعة المنيرة منها بالنفاذ، فهي كالمضلات الواقية. وفي هذه الطبقة يكون السحاب ومنه المطر.
وبعد أن بيَّن الله للناس انه هو الخالق الواحد المعبود بحق، وانه المنعم بكل ما في الوجود برف قائلا: {وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا على عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} وذلك لا، المشركين كانوا ينكرون الراسلة وأن القرآن وحي من عند الله. لذا طلب اليهم، لتبرير شكّهم وإنكارهم، عند أنفسهم، أن يأتوا بسورة واحدة ت ضارع أياً من سور القرآن في بلاغتها وإحكامها وعلومها وسائر هدايتها. وحجّتهم قائلاً: نادوا الذين يشهدون لكم أنكم أتبتم بسورة مماثلة. استعينوا بهم في اثبات دعواكم. غير انكم لن تجدهم.. وهؤلاء الشهود هم غير الله حُكماً، لأن الله يؤيد عبده بكتابه، ويشهد له بأفعاله.
ثم ينتقل إلى التحدّي والتحذير فيقول: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فاتقوا النار التي وَقُودُهَا الناس والحجارة أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}.
فإن لم تستطيعوا ان تأتوا بسورةٍ من مِثلِ سوَر القرآن ولن تستطيعوا ذلك بحال من الأحوال، لأن القرآن كلام الهل الخالق، فهو فوق طاقة المخلوقين فالواجب عليكم ان تجتنبوا مايؤدي بكم إلى عذاب الآخرة، وإلى النار التي سيكون وقودها الكافرين من الناس والحجارة من أصنامكم، والتي أعدّها الله لتعذيب الجاحدين أمثالكم.
ولقد سجل القرآن على المشركين المكابرين واقع العجز الدائم عن الإتيان بمثل هذا القرآن، بل جزءٍ منه أو سورة واحدة. وذلك من إعجاز القرآن. لأن التحدي ظل قائماً في حياة الرسول الكريم رغم وجود الفصحاء والبلغاء من خطباء العرب وشعرائهم وكبار متحدثيهم. ولا يزال قائماً إلى يومنا هذا والى يوم الدين. وحيث عجز بلغاء ذلك العصر وفصحاؤه. فإن سواهم أعجز. في هذا أكبر دليل على أن القرآن ليس من كلام البشر، بل هو من الخالق العظيم، انزله تصديقاً لرسوله محمد بن عبداللنه، الرسول الأميّ الذي لم يجلس إلى معلم، ولم يدخل أية مدرسة.
وبعد أن حذّر المكذّبين المعاندين وأنذرهم بعقاب الفجّار في نار لاهبة أخذ يبشّر المؤمنين المتقين بالجنة. لقد أذعنوا للحق دون شك أو ارتياتب، وعملوا الأعمال الصالحة الطيبة، فبشّرْهم يا محمد بما يسرهم ويشرح صدروهم: لقد أعدّ الله لهم عنده جنات تتخللها الأنهار الجارية تنساب تحت أشجارها وبين قصورها، وكلّما نالوا رزقاً من بعض ثمارها قالوا: هذا شبيه ما رزقنا الله في الدنيا من قبل. ومع أن الثمرات التي ينالونها اذ ذاك تتشابه في الصورة والشكل والجنس مع مثيلاتها في الدنيا فهي تتمايز عنها في الطعم واللذة. ولهم في الجنة زوجات رضيّات، مطهرات من الخبث والدنس، هن أرفعُ من المكر والكيد ومساوء الاخلاق. هناك سيبقون في الحياة الخالدة، ويعيشون في النعيم المقيم.


المفردات:
ضربُ المثل أيرادهُ ليُتمثل به ويُتصوّر ما اراد المتكلم بيانه. يقال: ضرب الشيءَ مثلاُ، وضرب به مثلاً، وتمثّله به. وقد وردت عبارة ضرب المثل في القرآن في عدة آيات: {واضرب لهُمْ مَّثَلاً} [الكهف: 32] {يا أيها الناس ضُرِبَ مَثَلٌ فاستمعوا لَهُ} [الحج: 73].. {واضرب لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ القرية} [يس: 13].
وهذه الآية جاءت رداً على الكفرة المعاندين حيث قالوا أما يستحي ربُّ محمد ان يضرب مثَلاً بالذباب والعنكبوت! فبّين الله تعالى انه لا يعتبريه ما يتعري الناسَ من استحياء، فلا مانع من أن يصوّر لعباده ما يشاء من أمورٍ بأي مثل مهما كان صغيرا، بعوضة فما فوقها. فالذين آمنوا يعلمون أن هذا حق من الله، أما الذين كفروا فيتلقّونه بالاستنكار. وفي ذلك يكون المثل سبباً في ضلال الذين يجانبون الحق وسبباً في هداية المؤمنين به.
وقد وصفهم تعالى بقوله: {الذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ} أي الّذين تركوا العملَ بعهد الله، وهو صيّتُه لهم وأمرُه إياهم بلزوم طاعته وتحاشي معصيته. وعهدُ الله هو العهد الذي أنشأه في نفوسهم بمقتضى الفطرة، تدركه العقول السليمة، وتؤيده الرسل والأنبياء.
أما نقضُهم له فهو انهم يقطعون ما أمر الله به ان يكون موصولا، كوصل الأقارب وذوي الأرحام، والتوادّ والتراحم بين بني الإنسان، وسائر ما فيه عمل خير. وعلاوة على ذلك تجدُهم يفسدون في الأرض بسوء المعاملة، وإثارة الفتن وأيقاد الحروب وافساد العمران.
وجزاء هؤلاء أنهم هم الخاسرون، لكل توادٍّ وتعاطف وتراحم بينهم وبين الناس في الدنيا ولهم الخزي والعذاب في الآخرة.


يقوم الإسلام على أصول ثلاثة هي: توحيد الله بالعبادة، والإقرار برسالة سيدنا محمد، والايمان بالبعث والنشور. هذه هي أصول الدين عند الله، بعث بها كلَّ نبي، وطلبها في كل كتاب، وأرسل محمداً عليه الصلاة والسلام يجدّدها في القلوب ويحييها في النفوس. والعبادة الكاملة هي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
على هذا درج القرآن يوقظ العقول، وينبّه الناس إلى هذه الأصول، فهو يُوجّه الأنظار على الدوام إلى الأدلة الكونية الدالة على حقيقة الدعوة، واستبعاد ان يكفر إنسان ذو عقل بها بعد ثبوتها في الأنفس والآفاق: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله..} إن حالكم تثير العجب! كيف تكفرون أيها المشركون والجاحدون ولا توجد شبهة تعتمدون عليها في كفركم؟ إنكم لو نظرتم في أنفسكم، وعرفتم كيف كنتم والى إين سترجعون، لأفقتم من غفلتكم هذه. لقد كنتم أمواتا في حالة العدم، فخلقكم الله ووهبكم هذه الحياة جاعلاً إياكم في أحسن تقويم. ثم انه تعالى يعيدكم أمواتا، ثم يعيدكم أحياء للحساب والجزاء يوم القيامة، إنّكم إليه لا إلى غيره تعودون.
ثم بيّن الله في الآية للناس نعمة أخرى مترتبةً على خلْقهم وايجادهم، وهي أنه هو الذي تفضل على الخَلق فخلَق لمنفعتهم كل هذه النعم الموجودة في الأرض، توجهت ارادته إلى السماء فجعل منها سبع سماوات منتظمات، فيها ما ترون أيها الناس وما لا ترون، والله محيط بكل شيء.
ولكلمة {استوى} عدة معانٍ، فيقال: استوى أي اعتدل، وسوّيت الشيءَ فاستوى عدلته فاعتدل، واستوى الطعام نضح، والعود استقام، والرجل انتهى شبابه وبلغ أشُدَّه واستقام أمره. واستوى على دابّته استقر، وعلى سرير الملك جلس واستولى عليه، واستوى إلى الشيء قصد.
يصح أن يراد بِ {سَبْع سماواتٍ} الطبقات المختلفة لما يحيط بالارضِ. وذلك ان الله تعالى بعد أن أكمل تكوين الأرض ودبّت الحياة على سطحها كيَّف سبحانه جَوَّ الأرض المحيط بها بما يلائم هذه الحياة ويحفظها من أهوال الفضاء. وهكذا كانت طبقات الجو المختلفة، ودوائر التأمين في الفراغ الكوني الذي يحدثنا العلم عن بعضها. والحق ان هذه الطبقات لم تُعرف الا من جديد، ولا يزال علم الفلك حتى الآن في طفولته، فأنى لمحمد ان يعلم هذه الأمور إلا من الله العليّ الحكيم! لقد بعثه بالحق وأنزل عليه الوحي وعلّمه بالقرآن ما لم يكن يعلم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8